النساء الخارجات من مخيم الهول في دير الزور:
فرص الاندماج وتحدياته

استجابة لوساطات وكفالات عشائريّة، أفرجت الإدارة الذاتية منذ نهاية العام 2019 عن آلاف النسوة المحتجزات في مخيم الهول، بشبهة انتمائهن أو انتماء أزواجهن لتنظيم الدولة الإسلامية. 

نساء خارجات من مخيم الهول في جلسة تدريب مهني نفذتها منظمة سامة للتنمية

يتناول هذ التقرير قضية اندماج هؤلاء النساء في المجتمعات المحلية في منطقة الإدارة الذاتية في دير الزور. ويعتمد تعريفًا مبسّطًا للاندماج وهو التخلص من آثار التجارب القاسية السابقة التي مرّت بها النساء، وتمكينهن من استئناف حياتهن على نحو طبيعي في القرى والبلدات والمدن التي أقمن فيها بعد الخروج من المخيم. 

أعداد الخارجات من الهول وتوزّعهن الجغرافي: 

وفقًا لتقديرات بعض الموظفين في مخيم الهول، بلغ مجموع أعداد الخارجين من المخيم بشكل رسمي، من نسوة وأطفال، إلى منطقة الإدارة الذاتية في دير الزور منذ نهاية العام 2019 وحتى منتصف العام 2024، 6000 تقريبًا، بينهم نحو 1500 امرأة، والباقي أطفال. ووفقَ تقديرات ناشطين في منظمات مجتمع مدني استهدفت هؤلاء النساء، يقيم اليوم منهن في منطقة الإدارة الذاتية في دير الزور 900 امرأة تقريبًا ومعهن 2700 طفل، في حين غادرت باقي النساء بعد مكوث مؤقت في المنطقة إلى وجهات مختلفة، مثل مناطق المعارضة في الشمال ومناطق سيطرة النظام. 

لا توجد معلومات كافية لرسم خريطة دقيقة لتوزّع “نساء الهول” جغرافيًّا ضمن منطقة الإدارة الذاتية في دير الزور.¹ فالمسوحات والاستقصاءات التي أجرتها منظمات المجتمع المدني جزئيّة، لكن وحسب هذه الاستقصاءات يقيم العدد الأكبر من هؤلاء النساء في الريف الشرقي ثم الشمالي فالغربي.

البلدة أو القريةالعدد التقريبيملاحظات عن محل الإقامة الأصلي
الباغوز160الغالبية من السكان الأصليين
السوسة والشعفة والكشمة150الغالبية من السكان الأصليين
سويدان ودرنج والجرذي والطيانة120الغالبية من السكان الأصليين
الشحيل والزر وذيبان والحوايج80خليط من النازحين والسكان الأصليين
البصيرة وما حولها40غير معروف
الصبحة والدحلة وجديد عكيدات وبكارة 40غير معروف
الصور وقرى نهر الخابور 100خليط 
العزبة60الغالبية من النازحين
الجزرة ومخيم المقبرة العشوائي40 الغالبية من النازحين
قرى وبلدات أخرى 110غير معروف 

-المصدر: تقديرات ناشطين في منظمات المجتمع المدني.

التحديات الرئيسية أمام الخارجات من الهول

إلى جانب الفرق الذي يجسّده الأصل الجغرافي بين عائدات إلى عائلاتهن في القرى والبلدات والمدن التي ينتمين إليها بالأصل داخل منطقة الإدارة الذاتية في محافظة دير الزور، ونازحات جاء أكثرهن من منطقة سيطرة النظام في المحافظة. ثمة فروقات أخرى تؤثر في عملية الاندماج، أبرزها، اختلاف مستوى التعليم من محو الأميّة إلى المراحل التعليمية الأعلى، إضافة إلى العمر والحالة الاجتماعية بين نساء متزوجات يؤدي أزواجهن دور المعيل ونساء بلا أزواج يعتمدن على أنفسهن. ورغم هذه الفروق التي تجعل بعض النساء متمتعات بقدر أعلى من الحماية والأمان الاقتصادي، كما في حالة النساء العائدات إلى عائلاتهن ومجتمعاتهن الأصلية في منطقة الإدارة الذاتية، مقارنة بالنازحات، تبرز عقبات وتحديات مشتركة تعيق عملية الاندماج، يمكن تلخيصها بما يلي:  

أولًا- تحديات اقتصاديّة:

تفتقد أغلبية “نساء الهول” المهارات والخبرات المهنيّة، التي تمكنهن من العثور على فرص عمل تحقق لهن ولأطفالهن، الحد الأدنى من الاكتفاء المادي. وفي بيئة اقتصادية محليّة لم تتعافَ من آثار الحرب والأزمات السابقة وترتكز على الزراعة وتربية الماشية؛ تندر الفرص ويقلّ المردود والأجر إلى حد يضع “نساء الهول” ولا سيما النازحات منهن في حالة فقر مدقع، تخفف من آثاره نسبيًّا، المساعدات العينية والمالية التي تقدم لهن من جهات مختلفة، مثل منظمات المجتمع المدني، والأقارب والجيران، ثم “الكومينات”.² ومع التدهور الاقتصادي العام الذي تعاني منه المنطقة، يبدو أن الاتجاه الذي مضت فيه بعض المنظمات نحو التمكين الاقتصادي لمن تستهدفهن من النساء هو الحل الأمثل في هذه المرحلة، حيث حققت بعض المشاريع الصغيرة التي نفذتها المنظمات مثل تربية الأبقار وصناعة الألبان والأجبان والخياطة، نجاحات ملحوظة مكنت النساء المستهدفات من الاعتماد على أنفسهن والاستغناء عن مساعدة الآخرين.  لكن وإن امتازت بعض هذه المشاريع بالاستدامة فإن بعضها الآخر توقف بعد وقت قصير من انطلاقه، إضافة إلى ذلك ظلّ الوصول إلى “نساء الهول” محدودًا، إمّا لعدم كفاية التمويل، أو لامتناع بعضهن عن التقدم بطلب الاستفادة من تلك المشاريع. 

ثانيًا- تحديات اجتماعيّة:

تواجه كثير من “نساء الهول” تحديات اجتماعية متنوعة، تتركز في العنف الاجتماعي والتمييز والاستغلال. وتساهم الأحوال الاقتصاديّة المترديّة والثقافة الذكوريّة السائدة فضلًا عن تحميل هؤلاء النساء جزءًا من مسؤوليّة الخراب والمآسي التي خلفتها النزاعات المسلحة، في تعزيز هذه التحديات التي تؤثر في علاقة النساء بالمحيط الاجتماعي وتضعف اندماجهن به. وبالرغم من أن النازحات يعانين بدرجة أعلى من هذه التحديات، إلا أن العودة من مخيم الهول إلى الأسرة والمجتمع الأصلي لا تحقق الحماية دومًا من العنف والتمييز والاستغلال. تقول أرملة شابة عادت إلى أسرتها وبلدتها، أن والدها منعها من العمل خارج المنزل، وضربها بقسوة عندما رفضت الزواج من رجل اقترب عمره من السبعين. وتقول امرأة أخرى افتتحت محلًا تجاريًا بدعم منظمة مجتمع مدني أن نجاح مشروعها الصغير أثار حسد جيرانها في المحلات المجاورة فطالبها أحدهم بإغلاق المحل والبيع من المنزل لأنها “حرمة” أو أن تنقل مشروعها إلى مكان آخر. 

ويظهر التمييز أحيانًا ضد “نساء الهول” وخصوصًا النازحات، في أثناء البحث عن منزل، حيث يرفض بعض أصحاب المنازل تأجيرهن خشية من المتاعب الأمنية، ما دفع ببعضهن إلى الإقامة في خيمة. واشتكت بعض النساء من التمييز في عملية توزيع المساعدات التي يتولاها أو يشرف عليها “الكومين”، لكن هذه الشكوى تلاشت بمرور الوقت. وإلى جانب التمييز تعاني المرأة النازحة الخارجة من الهول من الاستغلال، حيث يطلب بعض أصحاب المنازل من النازحات أجرة شهرية أعلى من المعتاد، وفي حالات أقل تعرضت بعض النساء للتحرش من بعض الرجال، مستغلين حاجتهن الماسة للمساعدات. 

ثالثًا- فقدان الوثائق الشخصيّة:

يعيق فقدان الوثائق الشخصية كثيرًا من النساء الخارجات من مخيم الهول، عن الاستفادة من المساعدات وبعض الخدمات العامة. فمن دون وثائق رسميّة، لا يمكن لموظفي الإدارة الذاتية تسجيل النساء في قوائم المستفيدين من المساعدات، مثل الحصول على حصص الخبز ووقود التدفئة بأسعار مخفضة، ولا يمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تدرجهن في قوائم المستفيدين من مشاريعها، ولذلك لجأ بعضهن إلى محامين استطاعوا استصدار وثائق إخراج القيد ودفاتر العائلة، وكذلك تسجيل الأطفال في دائرة الأحوال المدنية التابعة لحكومة النظام، قبل إلحاقهم بالمدارس. لكن مشكلة الأطفال من آباء غير سوريين تبدو عصيّة حتى الآن على الحل، إذ لم يسجل الآباء قبل مقتلهم أو اختفائهم واقعات الزواج والولادة رسميًّا في بلدانهم الأصليّة، ولا يمكن للأمهات أن يفعلن ذلك، ما يحرم هؤلاء الأطفال من حقوقهم القانونيّة والمعنويّة، ويعيق التحاق كثير منهم بالمدرسة، مع الإشارة إلى أن إدارات بعض المدارس قد أبدت تفهمًا لأوضاعهم وقبلتهم من دون وثائق.  

توصيات

1- بالرغم من تسهيل الإدارة الذاتيّة لعمل منظمات المجتمع المدني التي تستهدف النساء الخارجات من مخيم الهول، إلا أنها تستطيع أن تقدم المزيد في عملية اندماجهن بالمجتمعات المحلية، فبعض المشاريع يتطلب قدرًا أكبر من تعاون الإدارة، وخصوصًا في مرحلة الدراسة والتخطيط.  

2- على المانحين أن يركزوا على مشاريع التمكين الاقتصادي المتّسمة بالاستدامة للنساء الخارجات من الهول

3- على منظمات المجتمع المدني، توسيع النطاق الجغرافي لمشاريعها والانتقال إلى مدن وبلدات جديدة تقيم فيها نساء خارجات من مخيم الهول، لم يستفدن في السابق من مشاريع المنظمات. 


¹ – لصعوبة الحصول على بيانات ومعلومات رسمية، اعتمد التقرير على تقديرات ناشطي منظمات المجتمع المدني. 

² – يتولى الكومين وهو المسؤول المحلي التابع للإدارة الذاتية على مستوى القرية والحي، توزيع بعض المساعدات العينية مجانًا أو بأسعار مخفضة.